صحيفة المدى/ 28 كانون اول 2021



- من الذي وجه خطواتك الأولى نحو الكتابة؟
- الصدفة وحدها وحسن الحظ ايضا. ولدت في أسرة غدت مع مرور الوقت شبه معدمة. توفي أبي شابا وانا دون العاشرة وثاني خمسة اخوة اولهم بنت تكبرني بعامين. ترك غياب ابي وحشة وفقراً هائلين. فتولت والدتي في ظروف قاسية للغاية مسؤولية حراستنا وتربيتنا أفضل ما استطاعت. كانت تعيلنا من القليل الذي تكسبه من العمل البيتي كخياطة ثياب للصغار وقد تحملت شظف العيش بصمت مطلق اذ كانت أبية النفس ومتقدمة في وعيها على محيطها. كانت كادحة بكل معنى الكلمة رغم انها “ابنة خير” في الأصل، وقديسة. بدأت خطواتي الأولى في تعلم القراءة معها. كما أصرت على ان أكمل تعليمي من عرق جبينها فتفوقت في الابتدائية. وفي صيف 1961 انتقلنا من مدينة الهندية الى بغداد دون عودة، وفيها بدأت اشتغل عامل نجارة في البدء قبل ان امتهن خياطة الكتب في مطبعة الهلال لصاحبها هارون شاشا ومطابع أخرى في شارع المتنبي لم يعد لها وجود اليوم، فيما واصلت اكمال الدراسة المتوسطة مساء.

خلال تلك الفترة بدأ الوعي الادبي والسياسي يتبلور تدريجيا واذكر انني شاهدت بعض عمال المطابع يتعرضون الى الضرب والاعتقال من قبل ميليشيا الحرس القومي بعيد انقلاب 8 شباط 1963. وبالطبع فان عملي في المطابع أسس علاقة لي مع الكتاب، الا ان انطلاقتي الفعلية الأولى في الكتابة كانت بعد انتقالي الى “ثانوية الشعب” في الكاظمية ببغداد في خريف 1964، وكان لمدرس العربية الأستاذ مظفر بشير فضل في ذلك. كما نسجت أولى علاقاتي الأدبية وتبادلت بعض الكتب مع أصدقاء في المدرسة وفي مدينة الحرية وبعضهم صار معروفا بعد حين في الحياة الثقافية العراقية، كما صرت مولعا باقتناء دواوين الشعر والمؤلفات الأدبية الاخرى. في تلك الفترة كنت احفظ الكثير من الشعر، وكانت لي محاولات في الشعر العمودي يافعا وقد نشرت لي بعض القصائد البسيطة في تلك المرحلة اولها في بريد قراء جريدة “البلد” البغدادية، كما طلبت من أستاذ مصري كان يعمل في مدرستنا ان يوصل قصيدة لي، اعجبته كما قال، الى السيدة ام كلثوم لعلها تغنيها، والقصيدة تستلهم “الاطلال” للراحل إبراهيم ناجي. وكان الطلب ساذجا بلا ريب..

- لماذا اخترت دراسة الفلسفة هل لانها (أم العلوم) كما توصف ام لدافع آخر؟
- دافع الصدفة أيضا. فعند تقدمي للتسجيل في الجامعة، كنت اريد ان ادرس اللغة العربية على امل ان اعمل مدرسا كي اساعد عائلتي الفقيرة لأن التعيين كان مضمونا. وقد شجعني على هذا التوجه انني كنت متفوقا في مادتي النحو والبلاغة في الثانوية. غير انني فوجئت بانتهاء القبول في قسم اللغة العربية والإنكليزية وحتى الجغرافيا والتاريخ. ولم تكن هناك الا اقسام الصحافة والفلسفة والآثار والاجتماع فاخترت الفلسفة، ولم تكن عندي فكرة واضحة عنها. لاحقا، لم اندم على ذلك. فقد كان لوجود اساتذة نبلاء كحسام الآلوسي ومدني صالح وياسين خليل وكامل الشيبي وغيرهم، دور ساعدنا في تجاوز سخرية البعض من اختيار الفلسفة، واكتشفنا ايضا جاذبية أجواء كلية الآداب في تلك الفترة اذ اشتهرت بمهرجانها الشعري السنوي الذي شاركت فيه مرارا بتألق، فضلا عن مشاركتي في تحرير جريدة حائطية لطلاب قسم الفلسفة نشرت فيها قصائد حب استنسخها بعض الطلاب لحبيباتهم دون ذكر المصدر، كقصيدة من ابياتها:
“هذا انا مدن مسبية فعلت بهنّ عيناك ما لم يفعل التتر”
وأخرى مطلعها: “هنا سقينا الحب امس هنا نرضعه النلاجس والسوسنا”
وثالثة اكثر شهرة وكانت بعنوان “بيادر الصمت” نشرتها مجلة “العاملون في النفط” عام 1970 وحصلت على مكافأة عشرة دنانير وكانت تعد كبيرة عنها، وقد لحنها وغناها لاحقا الفنان نامق اديب ومنها:
غداً، تَئِنُّ الاماني، فهيَ أقدارُ ويرتوي من شفاهِ الصمتِ مزمارُ
مسافرٌ أنا، والاحزان امتعتي وغربةُ الدارِ والترحالُ لي دارُ
مجذافُهُ الهمُّ والاعصـــابُ موقدُه وجرحُهُ نازف الشريانَ ثرثارُ

- ماهي مراجع ومصادر طفولتك التي جعلتك تدرك عالم الكتابة؟
- البداية كانت مع نصوص قرآنية ودينية متنوعة. اما اول كتاب قرأته فلا يردني اسمه لكنني أتذكر ان غلافه كان ملونا ولعله احدى قصص ارسين لوبين او المنفلوطي وقد عثرت عليه في مسقط رأسي مدينة الهندية بين المفقودات في مطعم كنت اعمل فيه عاملا وكنت في المتوسطة بعد. في 1964 واعوام المرحلة الثانوية حصلت على نسخة من “ملحمة كلكامش” بترجمة الأستاذ طاهر باقر، كما اشتريت الجزء الأول من ديوان الجواهري وكان محظور التداول، فحفظت معظم قصائده وشغلتني منها لبعض الوقت قصيدة “فلسفية” مطلعها: “أحاول خرقا في الحياة فما اجرا..”، ومنذئذ بدأت رحلة القراءة المتعددة الموضوعات وهي مستمرة الى الآن. الشعر العراقي والعربي وخاصة امرؤ القيس والمتنبي والمعري وأبو نؤاس والسياب ونزار قباني والصافي النجفي وسواهم كانت له الغلبة أولا قبل ان تهيمن روايات نجيب محفوظ وخاصة “اولاد حارتنا” والثلاثية ثم جاءت روايات البرتو مورافيا وكولن ولسن وتولستوي. في المرحلة الجامعية تكونت لدي مكتبة بيتية صغيرة ضمت العديد من الكتب الفلسفية الا ان كتاب “ما قبل الفلسفة” لفرانكفورت وآخرين بترجمة جبرا إبراهيم جبرا، و”لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية” لفردريك انجلز وكذلك شعر ابن الفارض وعمر الخيام والحلاج تركت اثارا في تطور الكتابة الفلسفية والأدبية لدي عموما. عملي في مطبعة ثنيان في باب المعظم ومطبعة رمزي في الصالحية ساعدني أيضا على التعرف على عدد من الفنانين التشكيليين والادباء العراقيين البارزين مثل شاكر حسن آل سعيد وستار لقمان وناظم رمزي وصالح الجميعي ومحمد دحام وهاشم سمرجي وفلاح غاطي وغيرهم.
- متى بدأت النشر لأول مرة؟
- كانت المحطات الأولى عدة قصائد عمودية ونصوص نشرتها لي مجلة “العاملون في النفط” التي كان يشرف على إصدارها الناقد الراحل جبرا إبراهيم جبرا، منها اول مقال اكتبه في حياتي وكان بعنوان “الضحك في المنظور الفلسفي”، وظهر في 1970. ومقال آخر عن “ابن الفارض والحب الإلهي” في مجلة أخرى ونصوص غيرها. وكانت موضوعات مدرسية بطبيعة الحال الا انها مهمة في سياقها الشخصي. كما نشرت قصائد عديدة في صحيفتي “صوت العمال” و”الميثاق” وغيرها.. وقد جمعتها آنئذٍ في ديوان شعري بعنوان “رمال” وافقت على نشره رقابة المطبوعات الا انه لم ير النور ابدا. اذ اعتقلت بسبب قصيدة وقعت بيد المخابرات البعثية أدت الى اختطافي من الشارع في الوزيرية وتعريضي لساعات طويلة الى تعذيب همجي بالركل واللكمات ثم بعصا بلاستيكية محشوة بأسلاك تحت أنظار مدير أمن بغداد آنذاك وكان اسمه حازم محمد رجب وباشراف مسؤول المكتب الثاني في مديرية أمن بغداد وهو جلاد محترف اسمه سعد الأعظمي وكان لسانه قطعة من البذاءة والنجاسة وكان بليد الملامح من شدة البؤس. بعد يوم كامل من التعذيب الجسدي نقلوني الى بيتنا بسيارة (فوكس واغن) كانت تستخدمها الأجهزة القمعية عادة في اختطاف وقتل المعارضين، ومنحوني مهلة يومين لمباشرة التعاون معهم تحت تهديد القتل في قصر النهاية وجعلوا من بيتنا في ازقة محلة الصدرية كمينا، الا انني تسللت في الليلة ذاتها الى خارج الدار التي لم ارها ابدا بعدئذ. فعندما ذهبت لزيارتها في 2003، أي بعد 33 سنة تقريبا، وجدت بدلا عنها مدرسة للأطفال ففرحت.
- هل تتذكر شيئا من تلك القصيدة الآن؟
بعد أعوام سكوت
التراب الميّت امتدت يداه
حملتني،
حملت صوتي الذي مات مرارا
من.. يمنح هذا اليابس العينين تاريخا ؟
ومن يمنحني بيتاً لحزني؟
سيدي.. هم علموني
ان ارى وجهي على جثة جندي قتيل
سيق للحرب اقتسارا
ان امد القلب دارا
للعيون المتعبات
وتناثرت على شط الفرات
مرة اخرى تناثرت
بكيت..
كان رأسي حجرا يركله الماشون فوق الطرقات
وعلى باب المدينة
علّق الشرطي اعلاناً
بأن الارض ما عادت تدور…
- الى اين هربت بعدها؟
- تركت بيتنا منتصف ليلة العاشر من أيار 1971 واختفيت ليلة في ظلام بغداد وفي اليوم التالي غادرتها بهوية مزورة الى مناطق تحتلها المعارضة في كردستان العراق وتحديدا الى منطقة جبلية شمال غرب كلالة حيث مكثت مع عشرات الرفاق نحو ثلاث سنوات ونصف ضمن تنظيم (القيادة المركزية) والمعروف بجناح الكفاح المسلح في الحزب الشيوعي العراقي وكنت انتمي له في بغداد أصلا، وكان اهم حزب سياسي في العراق بين 1967 و1969، الا انه تعرض الى حملات تصفية جسدية قاسية من قبل الطغمة البعثية الانقلابية لرفضه التعاون معهم. لكن الحركة الثورية تلك راحت تفقد زخمها يوما بعد آخر ويتلاشى تأثيرها على المستوى الوطني بسبب القمع والابتعاد عن الناس في المدن وتراكم الأخطاء. فقد غدا التنظيم اسير العزلة في الجبال والصراعات الشخصية وفقدان البوصلة والهدف. ويبدو لي من خلال التجربة تلك ان التيارات السياسية المعارضة بما فيها الثورية تفقد سبب وجودها وتتحول الى زمر تائهة كلما ابتعدت عن الناس وعن حياة المدن وكلما تسلط على قيادتها مغامرون نرجسيون مسحورون ببيع الجمل الثورية الفارغة وهذا في أي مكان من العالم. كانت تلك التجربة رومانتيكية في جانب منها وزاخرة بذكريات العيش مع قرويين فقراء كرماء، الا انها كانت قاسية وحزينة للغاية في ذات الوقت بسبب الفشل المعلن. فقد كنا نعيش بكفاف مدهش معتمدين على أنفسنا وعلى ثمار الأرض ولم يكن هناك أطباء او ادوية الا نادرا بعدما رفضنا استلام أي رواتب او مساعدات من أي كان دفاعا عن استقلاليتنا وحريتنا السياسية بما في ذلك من قوات البارزاني التي كانت تسيطر عسكريا على المنطقة وكانت لنا علاقات تفاهم معهم. وقد اوشكت شخصيا على الموت المحقق اثر إصابتي بمرض السل الذي كان منتشرا جدا بين القرويين حولنا ولا دواء. وفي 1974 قررت الذهاب على الاقدام الى سوريا للعلاج وقد كلفني ذلك مسيرة خمسة عشر يوما من المشي على القدمين تكللت بنجاحي بمساعدة مهربين في اجتياز الحدود السورية ليلا وبدون أوراق او هوية.
هل واصلت عملك السياسي المعارض خارج العراق؟

الابتعاد عن الوطن أدى عمليا الى انحسار عملي السياسي التقليدي والتوجه اكثر نحو القراءة والكتابة الأدبية وقد ساعدني في ذلك انني لم ابحث عن ان اكون قياديا في اية جماعة او مرحلة كما ان حرية العمل السياسي لم يكن لها وجود حقيقي في سوريا ما عدا ان نعمل ضد نظام بغداد. كانت هناك نشاطات محدودة ودورية لأحزاب المعارضة العراقية المتواجدة في دمشق لكنها شكلية وعقيمة وتحت عيون المخابرات السورية دائما. والحقيقة ان اقامتي في سوريا كانت لاشهر قليلة فقط اذ انتقلت الى بيروت للعمل في الصحافة الفلسطينية وقد نشرت بالفعل مقالات وقصائد كثيرة في صحيفتي “الهدف” و”الى الامام” بمساعدة كتاب عراقيين يساريين كالشاعر الشهيد رياض البكري والسينمائي قاسم حول. الا ان اندلاع الحرب الداخلية اللبنانية اضطرني على الرجوع الى دمشق حيث نجحت بما يشبه المعجزة في الحصول على تأشيرة سفر للدراسة في فرنسا. وقد فتح وصولي الى فرنسا تجربة جديدة من حياتي الاكاديمية والأدبية. بدأت بان درست اللغة الفرنسية من الصفر وانتهت بحصولي على الدكتوراه في الفلسفة من نفس الجامعة والتدريس فيها.

- كما ساهمت مع عدد من الكتاب والفنانيين العراقيين وابرزهم الشاعر فاضل عباس هادي الشاعر والفنان احمد امير الجاسم وقيس العزاوي وجبار ياسين وعلي القزويني وعلي ماجد على اصدار مجلة (أصوات) وهي اول مجلة ثقافية معارضة حقيقية وغير حزبية في المنفى. وقد اصدرنا منها نحو خمسة عشر عددا بمشاركة فنانين وكتاب عرب. لكن عملي في الكتابة سيحقق قفزات كبيرة بعد عام 1980 حيث عملت مترجما في باريس لنحو خمس سنوات ثم كاتبا في اهم الصحف العربية كالحياة والقدس العربي والشرق الأوسط ثم مستشارا لحقوق الانسان لدى منظمة العفو الدولية ومبعوثها الى لبنان واليمن ثم لدى الأمم المتحدة في هايتي وجمهورية الدومنيكان، ثم رئيس تحرير للقسم العربي في وكالة انباء يونايتدبرس انترناشيونال العالمية لنحو تسع سنوات متتالية.
- وهل كان التخصص في الفلسفة في جامعات فرنسا الحلم الذي سعيت له؟
- دراستي للفلسفة بدأت في بغداد الا ان التخصص فيها لم يتحول الى واقع الا في مدينة بواتيه الفرنسية. فبعد ان كنت قد نسيت الفلسفة عمليا بسبب الانقطاع عنها وجدت نفسي امام الفيلسوف روجيه غارودي مرة او امام أستاذ الفلسفة الهيغلية الأشهر في أوروبا جاك دونت عشرات المرات. ومع هذا الأخير وتحت اشرافه عملت باحثا لفترة طويلة في المجال الفلسفي وكانت بدايتها انجاز أطروحة للماجستير عن تطور الفكرة الالهية في الشرق القديم، ثم انجاز اطروحتي لنيل الدكتوراه وكانت عن “هيغل والإسلام” وهي دراسة جديدة تماما، وقد اعقبها انجاز دراسات ومقالات فلسفية كثيرة أخرى ظهرت في صحف ومجلات عربية معروفة. وأستطيع القول ان بعض الحلم الأول في ركوب بحر الفلسفة تحقق بالفعل لكن الطريق ما زال محفوفا بالمغامرات ولا أقول الاخطار لان خوض الاشتغال بالفلسفة متعة بذاتها.
- لكن الفلسفة من وجهة نظر الذاكرة الجمعية مجال ليس من السهولة الخوض فيه..
- هذا صحيح تماما. لكن جميع مجالات الابداع الحقيقي صعبة اذا اخذناها جديا. الفلسفة اكثر صعوبة ربما لانها مجال نخبوي تماما ومشكوك بأمرها ونواياها في كل الثقافات الايمانية في العالم. ومع ذلك فهي تؤسرني بسحرها الخاص. انها العالم الوحيد الذي لا اشعر فيه بالوحدة عندما أكون وحيدا. لست باحثا عن الحقائق المطلقة انما عن الطمأنينة العقلية المطلقة والفلسفة وحدها تستطيع ان توفرها.
- تركز جدا على هيغل في اهتمامك. ماهي اهمية هذا الفيلسوف في نظرك؟
- هيغل مجرد فيلسوف في التحليل الأخير ولا قدسية تذكر له. لكنه فيلسوف كبير في تاريخ الفلسفة الحديثة. ومفكر نقدي بالدرجة الاولى وانساني المنظور. وفي هذه الجوانب الثلاثة وفي غيرها تكمن اهمية هيغل بالنسبة لنا. كما تنعكس في حضور الفلسفة الهيغلية في حياتنا الراهنة. بما فيها السياسية وليس الثقافية فقط وهذا رغم مرور ما يزيد على قرنين على وفاة الفيلسوف الالماني الشهير هذا. اذ تعتبر الهيغلية اليوم أساس معظم تيارات الفكر الغربي الحديث وخاصة الفكر الامريكي. من هنا تبرز اهمية فهم ماهية البعد النقدي الذي تتميز به الفلسفة الهيغلية خاصة في مجال التاريخ والحقوق والسياسة وانعكاس هذا البعد في الوقائع السياسية والدبلوماسية للقوى العالمية الراهنة. وبالطبع فان الهدف من هذا الفهم ليس لخق العداوات او اثارة النعرات. انما للاستفادة والفهم لتطوير حياتنا عبر فهم النواقص واسباب الاخفاقات التي عانت منها شعوبنا حضارياً وانسانياً.
- في عالم صاخب واستهلاكي كعالمنا ما الذي بإمكان الفيلسوف ان يعمله؟
– ان يكشف الأهمية الكونية للحرية والحلم ويجدد طاقة العالم في اعلائهما. فالفيلسوف راسم مستقبل وهذه مهمته الجوهرية في كل زمان ومكان وحالة. وهي مهمة واقعية وملموسة الحيثيات برغم ان كلامي قد يبدو هنا مجرداً او حتى غامضاً او عاطفياً واقصد بالمهمة الواقعية ان هناك بالفعل اشياء يمكن تحقيقها بفضل الفلسفة وبعضها يومي ومحلي. الا انها تصب جميعاً في تحقيق ولو جزئي ولو مرحلي للحلم الإنساني ومواجهة اخطار ما نسميه بالعالم الاستهلاكي بالفعل والمنتج للحيرة وحتى للقلق ربما.
– وكيف تنظر الفلسفة الى خطر فيروس كورونا؟
– هذا الخطر كان ينبغي ان يكون فرصة نوظفها لإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية لكل مشكلة تواجهنا على ان تكون اعادة ناجحة أي نقدية بالضرورة. فكما ان هناك من وجدها فرصة لنقد النظام الرأسمالي المتوحش او العولمة او ما بعد الحداثة، او توبيخ الأرض بإسم سماء بريئة منا، او تمجيد الدكتاتورية على حساب الديمقراطية والحريات والحقوق او التهديد بكوارث اقتصادية او مناخية مجهولة، فأننا نعتقد بإمكان استخدام التكافل ضد كورونا لتمتين مشاعر الوحدة المجتمعية في مواجهة تفاقم اخطار هذا الوباء وأيضا في مواجهة اخطار الدكتاتورية والمحاصصة والفساد والتخلف والإرهاب والتشرذم. هل انت مع تدريس الفلسفة في المدارس المتوسطة والاعدادية؟
- تدريس الفلسفة ضرورة مطلقة لا سيما لمستقبلنا. مدى الاستعانة بالفلسفة تشير الى مدى سلامة العقل الجمعي. كل الأمم المتطلعة للتقدم تفعل ذلك دون الحاجة الى الجدل حوله. العراق متأخر جدا في هذا المجال مقارنة حتى مع دول الخليج العربي حيث تدرس الفلسفة ومشكلاتها ضمن المناهج الدراسية لطلبة الثانوية. فالفلسفة تعني اعلاء العقل وتحريره من القيود وهو على الأرجح ما تخشاه عقليات اجتماعية أو دينية مهيمنة تقليديا وتريد الاستمرار بفرض افكارها وقيمها الجاهزة عبر جعل العقل العام رهينًا لديها. فالتعريف بقضايا الفلسفة ولو بشكل مبسط لا مفر منه اذا اردنا خلق أجيال متفتحة ومبدعة في كافة المجالات بما فيها المجتمع والاقتصاد والفن والادب وحتى الفلسفة الدينية.
- يبدو لي ان الادب كان خيارك ولم تتخل عنه تماما.. والدليل ما كتبته في مجال الادب وعلاقاتك مع الكثير من الادباء؟
- قد يكون ذلك وليس في الامر اختيار. الشعر والادب والفن مجالات ساحرة هي أيضا ومكملة للفلسفة. انها نافذتي على العالم بكل معانيها. نحتاج الى ان نكون في حركة الحياة وليس على هامشها. معظم كبار الفلاسفة بما فيهم فلاسفتنا اهتموا بالادب والفن ومنحونا روائع فيهما ويكفي ان نذكر هنا اعمال الفارابي في مجال الموسيقى، وابن باجة في الرواية الفلسفية وابو العلاء المعري في “رسالة الغفران” والعشرات سواهم. وعلى العموم، ان العلاقة مع الادباء والفنانين لا افتعال فيها مطلقا بالنسبة لي. وقد حاولت دائما ابراز وتثمين العطاء الخاص بعدد كبير من المبدعين العراقيين لا سيما الذين تقاطعت معهم في ظرف او آخر. فقد نشرت مقالات مطولة حول عدد كبير من الشعراء والفنانين والمفكرين العراقيين لا سيما الرواد والمجددين فعلا منهم بما فيهم الشعراء باللغة العامية كالحاج زاير وفدعة، ولدي الآن اكثر من جزء مكتمل من كتاب في هذا الشأن قد يرى النور قريبا. كما ان كتابي الجديد “مئة سنة من الفلسفة في العراق” تطرق بشكل او آخر الى معظم المساهمين في المنجز الفلسفي العراقي خلال القرن المنصرم.
- برأيك، هل يمكن القول ان هناك فلسفة عربية؟
- لا توجد فلسفة عربية لكن هناك مفكرون عرب لديهم محاولات فلسفية مهمة لم ترق بعد الى مستوى النظام الفلسفي الخاص انما ظلت تدور في اجواء المدارس والتيارات الفلسفية العالمية او سعت على تحديث مضامين سلفية مقنعة او التنقل بين محطات فلسفية مختلفة دون النجاح في بلورة هوية ملموسة. واجمالا، فان طبيعة جميع هذه الجهود اصطدمت دائما بعقبات موضوعية أهمها ان المناهج التي اعتمدتها هي مناهج تقليدية اجمالا مما قولب حيوية عطاءات هؤلاء المفكرين ومعظمهم مؤرخو فلسفة في الأصل وقلص من حريتهم في الحركة الابداعية التأملية او الفلسفية.
- هل تعتقد ان العقل الفلسفي العربي ظل قاصراً ومحدوداً ؟
- محنة الفلسفة في الثقافة العربية هي غياب شرط التفلسف الموضوعي الى الآن وهو الحرية والحرية بالتحديد التي هي ليست مجرد حاجة او ضرورة بالنسبة لهذا النشاط المعرفي، كفعل ابداعي، انما هي مادة وجوده الاساسية واكاد اقول الوحيدة لان الفلسفة في اسمى تعريفاتها ليست شيئا آخر غير الحرية. والحال ان غياب الحرية بمعناها الشامل وليس السياسي فقط حقيقة. فمعايير الاستبداد والقسرية والردع من جانب والقدرية والكبت والتقية من جانب آخر تحكم المعادلة الملموسة والميتافيزيقية للعلاقة بين الواحد منا والآخر وحتى الواحد ونفسه. وهذا الشكل من العلاقة هو الذي يحكم بداهة علاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة الدولة بالمجتمع المدني وعلاقة الجماعة بالفرد، والتي تتميز بهيمنة الاول وتدمير الاخير وتحويل الفرد الى مجرد رقم بين الارقام لا يمتلك من حريته اي من انسانيته سوى طابعها السطحي. ففي ظل معايير كهذه لا يبقى من الفلسفة إلا طابعها السطحي هي ايضا لانها تفتقر الى الشرط الموضوعي لتحققها العميق.
- في كتابك “الفلسفة البابلية تعيد جذور الفلسفة الى البابليين.. ترى هل كان هناك تأثير للفلسفة البابلية على الفلسفة الاغريقية؟
- مؤرخو الفلسفة الاغريق اكدوا دائما على الوجود القديم للفلسفة في بابل واحتمال ان تكون منبع الأفكار الفلسفية الاغريقية الأول مثل فكرة الفيلسوف اليوناني طاليس بان الماء اصل الأشياء فيما يبدو التشابه قويا بين نظرية افلاطون عن وجود “عالم مثل” أعلى وفكرة البابليين عن وجود عالم كمال أعلى تأتي منه الشرائع الى الارض كشريعة حمورابي. وانا اذهب ابعد من ذلك في كتابي “الفلسفة البابلية” اذ حاولت اثبات صواب الاستنتاج بان معنى “فيلو سوفيا” في اللغة الاغريقية نفسه، اي “حب الحكمة”، بابلي الاصل كمصطلح وكمضمون، وانه يعني تكوين فكرة عقلانية شاملة عن الوجودين الالهي والإنساني. ودعمت هذا الاستنتاج بان افلاطون نفسه لاحظ في احدى محاوراته ان كلمة “سوفيا” ليست اغريقية في أصلها اللغوي، وتوقع انها قد تكون وفدت إلى بلاد اليونان من ثقافة أجنبية مجاورة، ويقصد البابلية بلا ريب. ولاحظ افلاطون أيضا أن اليونانيين استعاروا الألفاظ من الحضارات المجاورة غالباً، معترفاً وبصراحة نادرة، بأن نشوء الفلسفة في اليونان كان بتأثير من الأفكار والفلسفات الواردة او المستلهمة من حضارات بلاد النهرين السابقة على الحضارة اليونانية.

- لكن هناك اجماع عالمي على ان الفلسفة بدأت في اليونان؟
أن البابليين امتلكوا منظومات فلسفية في عدد مهم من المجالات، وكانوا اساتذة الاغريق في مجال الفلسفة أيضا وليس في الرياضيات والفلك والهندسة وحسب كما هو ثابت، دون تضئيل عظمة دور العقل الاغريقي في اثراء وتطوير نظريات فلسفية وعلمية كثيرة سابقة عليه او ابداع الجديد منها. والحقيقة ان شحّة المعلومات والنصوص الاصلية المترجمة عن اللغات العراقية القديمة مباشرة التي وصلتنا الى الآن هو السبب في هذا الرأي، الى جانب فقدان مؤلفات فكرية وتاريخية كانت معروفة لمؤلفين وعلماء بابليين او كلدانيين اشتهر بعضهم في بلاد الاغريق نفسها بعد ان هاجروا اليها بعد سقوط الدولة البابلية على يد الاخمينيين، ومنهم الفيلسوف الرواقي ديوجين البابلي وبيروس البابلي وسلوقس الكلداني وكيدينو نابو ريمانو وسودينيا وسواهم ممن تذكرهم المؤلفات الاغريقية القديمة نفسها وتخصص لهم مكانة تفيد احيانا بأن عبقريات بعضهم الفلسفية تفوقت حتى على كبار الفلاسفة الاغريق المعاصرين لهم. ويزداد الحال تعقيداً عندما لا نستطيع ان نتعرف بدقة الى الآن على جميع ما اقتبسه او استلهمه المفكرون الاغريق القدماء من افكار اسلافهم السومريين والبابليين والمصريين والفينيقيين والآشوريين الفلسفية او الدينية او السياسية رغم ثبوت بعض وقائع ذلك الاقتباس والاستلهام. لكن المصادر الاغريقية والرومانية تؤكد مثلا أن فيثاغورس قام برحلة دراسية طويلة إلى بلاد ما بين النهرين دامت اثني عشر عاما مكنته من تعلم الكثير من النظريات والافكار الهندسية والحسابية ورصد المظاهر الفلكية وقياس المسافات والمساحات، ومنها نظريات بابلية في قياس المثلثات وأطوال أضلاعها ومساحاتها صارت تحمل اسمه الى الآن. والدليل الواضح على اقتباسه لها خلال فترة رحلته الدراسية تلك، ان احداً لم يذكرها او يعرفها سواه من المفكرين الاغريق قبل عودته من بابل. ونحن نعتقد ان فيثاغورس كان بابلي الاصل وليس يونانيا. وكذلك الامر بالنسبة لثاني فلاسفة المدرسة الطبيعية انكسيمندرس. فهو الآخر لم يكن اغريقي الاصل بل من اصول بابلية ثقافية على الاقل، وهذا انعكس في افكاره الفلسفية كطرحه فكرة تطور الموجودات من اصول مائية وهي فكرة سومرية، وايضا ما ينسب له من وضع اول خارطة للعالم ما يؤكد معرفته الواسعة بالمعارف البابلية. فالدراسات الحديثة تجمع الآن على ان اهتمام البابليين بالرسومات الدقيقة لخرائط المدن بدأ مبكرا وقد عثر بالقرب من كركوك في العراق على لوح من الطين بمقياس رسمت عليه خريطة لوادي نهري بين تلتين قدر بانها تعود للالف الثاني قبل الميلاد كما أن خريطة أخرى تعود للقرون الرابع عشر قبل الميلاد اكتشفت في مدينة نفر (نيبور) السومرية وفيها ولصف جدران ومباني المدينة المقدسة فيما تعتبر خريطة العالم البابلية التي تسمى Imago Mundi أقدم خريطة في العالم. فقد عثر عليها في سيپـّار، وهي تعود الى ما بين 700 – 600 ق.م. ومنقوش عليها بالحرف المسماري.
عاشتْ أوربا أسوأ أوقات حياتها لعدة قرون، قبل ان يعلن التنوير انتصاره، فكيف كان ذلك ؟ وهل يمكن ان ينتصر التنوير في بلادنا ؟
لا نهضة ولا تحرر في بلادنا بل لا تحضر بدون حركة تنوير جريئة وحرة لا تقلد احداً ولا تنشغل بسفاسف الامور بل تتجه مباشرة الى تأصيل نفسها لأبعد ما تستطيع في تاريخنا وتراثنا وفكرنا التنويري الأصيل دون مخاوف ودون عقد. علينا ان نعرف أولا لماذا لم تعرف بلداننا عصر “تنوير” في العصر الحديث لحد الآن؟ وكيف يمكن تحقيقه وضمان نجاحه الفعلي كما حققه الاوروبيون قبل ثلاثة قرون وكذلك فعل إثرهم الامريكيون واليابانيون والصينيون وغيرهم ونجحوا هم أيضا هنا او هناك.. لكن علينا أيضا ان نبذل جهدا هائلا لتوضيح بان حركة التنوير ليست حركة هدّامة او متمردة او مشاكسة كما يزعم البعض. انما تبشر بنظام جديد من المفاهيم والقيم الإنسانية الواقعية والسامية. والحقيقة ان انتصار حركة التنوير كان الشرط اللازم لأوربا كي تنتقل من عهد مسلمات العصور الوسطى الراكدة وحروبها الصليبية الاجرامية الى تطورها الراهن كدول صناعية متقدمة ذات أنظمة دستورية حديثة وعادلة.
- هل تعتقد بوجود تضاد بين الإسلام والعلمانية ؟
- ليس هناك أي تضاد في نظري. العلمانية هي الاعتماد على العقل في تفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهذا لا يتعارض باي شكل من الاشكال مع الدين لا سيما وان العلمانية تدعو لأن تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان فضلا عن ان العلمانية بفصلها الدين عن الدولة، لا تقصد ولا تستطيع إقصاء الدين عن الحياة العامة وفي كل الأحوال لا يوجد تعريف ثابت ونهائي لمفهوم العلمانية كنسق عام بل هي تنشأ متأثرة بمعطيات كل مجتمع وتختلف باختلاف السياقات الاجتماعية والتجربة التاريخية لكل دولة وبالتالي فإن خصائصها تختلف من بلد لآخر.
– خضت عالم السياسة منذ بواكير عمرك .. اين يتجلى هذا الامر في حياتك الان؟
– لا يتجلى في أي مجال بصراحة. لست سياسيا محترفا. في الثالثة والعشرين من العمر تركت بغداد فجر يوم 12/5/1971 هربا من الاعتقال من قبل الاوباش البعثيين وكان علي قطع الطريق طولا من بغداد الى اقصى الحدود الشمالية حيث مكثت لنحو ثلاث سنوات ونصف في الجبال في تجربة فورية عبثية الا انها أبقت رأسي في جسدي. وفي السادسة والعشرين من العمر قطعت العراق عرضا من الحدود الإيرانية الى الحدود السورية مشيا او على ظهر بغل اذ كان علي التسلل وحيدا الى الأراضي السورية هربا من كمائن ذات القتلة. كانت تجربة فريدة في المعاناة والاخفاق أيضا. خليط من المثالية الرومانتيكية والقدر القاسي لجيل عراقي بأكمله قاسى فترة بعثية اشد ظلاما من أي فترة مظلمة. حب العراق كان معي، معنا، دائما في كل المحطات كما ان العودة اليه كانت هدفا معلنا بالنسبة لنا. وجدناه فريسة لأوباش جدد. انها لنوع من التراجيديا السوداء ان تعود الى بيتك بعد فراق طويل لتجده محتلا من جنود أمريكيين يرطنون حتى بالانكليزية ومن مافيات محلية وعصابات دينية وغير دينية تتحكم برقبة كل شيء كنت تحبه، او ان تعيش في شبه سجن يسمى المنطقة الخضراء التي كتبت عنها قصيدة.
وكيف بدأت القصيدة؟
رأسي سجنٌ بمئاتِ الأبواب
ونوافذُ بحرابٍ نافرةٍ
وبقايا أقمارٍ، ونيازك
تتقاطع كسيوفٍ من فضة
في جُنحِ الأسوار الخرساء المرصوصة رصاً حول الروح
في المنطقة الخضراء
– كان لك دور فاعل بعد 2003 في العراق، إن من خلال تسنمك رئاسة مفوضية الانتخابات او من خلال نشاطك السياسي وايضا باشتغالك في مناصب المستشارية لعدد من السياسيين القادة.. ما هي قراءتك للوضع السياسي في العراق في هذه الفترة.
– كان لي دور تقني كاول رئيس لمفوضية الانتخابات بين 2004 و2007 وايضا كمستشار انتخابات لرئيس الوزراء بعد 2021. وهي وظائف لم ابلغها بفضل نشاط سياسي سابق او جديد لانني لم اشتغل في السياسة منذ عودتي الى العراق ولم اقبل او اعترف بشرعية أحد من ممثلي الطبقة السياسية المهيمنة حاليا، بل بلغتها بفضل مهارات مهنية اكتسبتها من عملي كموظف انتخابات دولي حيث عملت في بعثة الأمم المتحدة الى هايتي بين 1993 و1995، ثم رشحتني في دول ووظائف أخرى مختلفة.

ومع ذلك لست موظفا عاديا عندما اعمل في العراق. فهنالك في عملي بالانتخابات العراقية عوامل جذب وتحديات فكرية وسياسية وطنية تغريني بالعمل من اجلها ولو جزئيا وعلى حساب العائلة والنفس غالبا. وقد اخطئ او أصيب في تقديراتي لكني لا اتنكر لها مطلقا. بالتأكيد لا توجد ضمانات كافية وهناك انتقادات لي لان كثيرين لا يؤمنون بواقعية هذا المشروع. الا انه لا خيار لي سوى المحاولة وتصحيح المحاولة. اما عن قراءتي الخاصة للوضع السياسي العراقي الراهن واتجاهاته، فاعتقد ان معركة المستقبل بدأت للتو. هناك وطن يحتاج مجتمعه الى مصالحة مع نفسه والى وحدة حقيقية بين دولة حديثة ومتقدمة وشعب متطلع الى الامام بثقة كما اثبتته انتفاضة تشرين، وحدة تقوم على طي صفحات الماضي واستعادة الثقة بالنفس وبالمؤسسات، وعلى تأسيس تجربة ديمقراطية جديدة تقوم على العقد الاجتماعي ومرجعية الثقافة والأخلاق والضمير. لقد ألحق العراقيون بتنظيم داعش الارهابي هزيمة عسكرية خالدة قبل سنوات، في نصر صفق له العالم، وكان المطلوب ان يتعزز ذلك النصر العسكري التاريخي بشكل عاجل ومستديم، ليس فقط باستئصال جذور الورم الداعشي من رؤوس أشخاص وجماعات من كل الطوائف، ظلت قادرة على التخفي المرحلي او حتى التلون والتأقلم على المدى المنظور بأمل مجيء فرصة جديدة للانقضاض كالذئاب على المواطن الأعزل ثانية، بل ايضا، بالتقدم الواثق خطوات ملموسة باتجاه اقامة دولة المواطنة والمؤسسات الكفيلة بضمان الوحدة العميقة لكل العراقيين دون استثناء او تمييز. فلا هزيمة حاسمة للعقل الداعشي وقدرته على اعادة انتاج نفسه عاجلا ام آجلا، الا ببناء دولة حديثة تحصر السلاح بيد الدولة وتحترم حقوق المرأة وحقوق الانسان وحرية التعبير والحق بالاختلاف وترعى الكتاب والفنانين والرياضيين والفلاسفة، والا بهزيمة نظام المحاصصة الطائفية والحزبوية والفئوية، الذي هو مجرد مصنع للفساد اي مصنع لتدمير مستقبل الوطن والمواطن.
سيرة مهنية
الدكتور حسين الهنداوي
التحصيل العلمي والأكاديمي:
- دكتوراه بدرجة شرف في الفلسفة الحديثة، فرنسا، جامعة بواتيه،1987.
- ماستر في الفلسفة الحديثة، فرنسا، جامعة بواتيه، 1982.
- دبلوم في اللغة الفرنسية، جامعة بواتيه، فرنسا، 1977
- بكالوريوس في الفلسفة، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1970.
الخبرات المهنية والوظائف السابقة:
- مستشار السيد رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات في العراق حاليا.
- مستشار رئيس جمهورية العراق لأربع سنوات بين 2015 و2018.
- مستشار دولي أقدم لبعثة الامم المتحدة في العراق لسبع سنوات بين2008 و2015،
- اول رئيس للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، بين 2004 و2007،
- رئيس تحرير القسم العربي لوكالة يونايتدبرس العالمية للانباء(UPI) لتسع سنوات بين 1995 و2004،
- عضو بعثة منظمة الامم المتحدة لحقوق الانسان الى هايتي بين 1993 و1995.
- مبعوث منظمة العفو الدولية الى لبنان واليمن بين 1991 و1995،
- كاتب في ابرز الصحف العربية(الحياة، السفير، المدى، القدس العربي..) منذ1985الى الآن.
- مدرس “الحضارة الشرقية” في جامعة بواتيه، فرنسا، (1984-1986).
- مؤسس ومدرس “قسم اللغة العربية” في جامعة بواتيه، فرنسا، (1982-1985).
- باحث ومترجم في المركز الدولي للنشر في باريس، فرنسا، (1981-1987).
- اكثر من عشرة كتب منشورة منها:
- “هيغل والاسلام” (بالفرنسية 1987). طبعة جديدة تحت الانجاز – باريس.
- “التاريخ والدولة ما بين ابن خلدون وهيغل” (الساقي، بيروت 1996).
- “هيغل والفلسفة الهيغلية” (الكنوز الادبية، بيروت 2004).
- “على ضفاف الفلسفة”- (بيت الحكمة، بغداد 2005).
- “اخاديد” (مجموعة شعرية- بغداد 2012).
- “محمد مكية والعمران المعاصر” (العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2012).
- “فلاسفة التنوير والاسلام” (المدى، بيروت 2014)
- “الهندية طويريج، بيتنا وبستان بابل” (المدى، بيروت 2015)
- “استبداد شرقي ام استبداد في الشرق؟” (المدى، بيروت 2016) ،
- و”لبنان 1991، رحلة في كوكب ممزق“، (المدى، بيروت 2018) ،
- “الفلسفة البابلية“،(المدى، بيروت 2019)،
- “مئة سنة من الفلسفة في العراق”، (وزارة الثقافة، بغداد 2021)،
- “مظفر النواب، تأملات وذكريات“،(المدى، بيروت 2021)،
- ” تحت الطبع بالعربية: “فاشية التخلف، البعث العربي نموذجا”، “دولة اللادولة في الفكر الحديث“، و”في نقد العقل الامريكي“، و”المفكر البابلي بيروسا” ..
- عشرات المقالات المنشورة في دوريات عربية مهمة منها “الاغتراب الادبي” و”نزوى” و”الحياة” و”المدى” و”الصباح” و”العالم” اضافة الى مجلة “أصوات” التي أسسها مع آخرين مجلة في 1976. كما له عشرات المقالات المترجمة الى الانكليزية والمنشورة في اشهر الصحف الغربية كـ “National Revue” و”National Interest”، و”Washington Times”…


