الهنداوي يفاوض الذاكرة الفكرية والتاريخية الأوربية بالحسنى المعرفية.

عادل سعد 

يوليو 21, 2020 

حسين الهنداوي 

فلاسفة التنوير والإسلام

في كتابه فلاسفة التنوير والإسلام .. كيف تفحّص مفكرون ومؤرخون أوربيون المشرق العربي .

قناعات المتنوّرين الأوربيين بين فرضيات الإنكفاء والإنبهار والإجتهادات الوسطية يظل التنوير في الاطلالات الواقعية واحدا من المسؤوليات الاساسية في تأسيس للمعارف الضامنة للحقيقة ضمن موجباتها البعيدة عن اي تحريف او تشكيك او تهاون ، والحال ان الامكانية البشرية على التنوير بقدر ماهي موهبة ، فأنها ايضا تنم عن مواظبة تتباين القدرة فيها تبعا لأتساع معلوماتية المضطلع بها وتراكم الخبرة لديه

لقد استوقفني العديد من الشخصيات التي تتحلى بمثل هذا التوصيف خلال نصف القرن الذي امضيته ، مصغيا ، ومتعلما وفاحصا تلك هي المهمة الشاقة والجميلة التي اسست لي معارف واصدقاء وانداد واذا كان الصينيون يقولون ( لا احد يستطيع ان يمنع السماء اذا ارادت ان تمطر ) فاني امنح لنفسي التفويض ان اضيف ( لا احد يستطيع ان يقول لشجرة معطاء تتدلى اثمارها انها ليست كذلك ) .

للمرة الاولى اتعرف عليه ، الدكتور حسين الهنداوي ، كان ذلك في الاسبوع الثالت من شهر كانون الأول من عام 2014 في العاصمة الاردنية عمان ، والمناسبة مشاركتنا معاً في ورشة عمل دعت اليها الامم المتحدة بعنوان (مسؤولية الحماية و الوقاية من الجرائم المروعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا). 

هو عراقي صقلته المتاعب والاسئلة الكثيرة التي تطوع للاجابة عليها ، تزينه دماثة ريفية مع هامش واضح من حياء المثقف الغزير في متابعاته الاكاديمية ، فقد نال الدكتوراه بدرجة شرف في الفلسفة الحديثة من فرنسا ومؤسس القسم العربي في جامعة بواتيه الفرنسية، وقد تقلد عدداً من المواقع والمسؤوليات منها مبعوث منظمة العفو الدولية إلى لبنان وإلى اليمن ، وعضو بعثة الأمم المتحدة إلى هاييتي، وأول رئيس لمفوضية الإنتخابات في العراق، ثم مستشاراً لدى الأمم المتحدة وعضو بعثتها إلى العراق منذ عام 2008 له مؤلفات و كتابات في الفكر السياسي باللغات الثلاث العربية والفرنسية والانكليزية، كما كتب الشعر والأصناف الأدبية الأخرى. وهناك منجزات اخرى له خلال مشاركتنا في تلك الورشة جرت بيننا حوارا بهموم وطنية ودولية وبإطلالة منه ، ظل مؤكدا لصالح ضمان السلام والعدل والتفاهم بين الشعوب،اذا تجردت الدول عن النفعية الضيقة والتزمت المقاصد النبيلة التي جاءت في ميثاق الامم المتحدة درجة عالية 

وخلال حوارنا الودي عرفت أنه صديق لأخي أمين سعد في لندن، على أي حال و منذ الساعات الأولى من الحوار الذي جرى بيننا كان الود والتقدير له قد أسس لدي قناعات تستحق الاشارة انه صاحب رؤية على درجة عالية من الموضوعية ، وقد أهداني حينها مؤلفه (فلافسة التنوير والإسلام الذي تناول فيه مجموعة من المؤرخين والمفكرين والسياسيين ، مونتسكيو ،فولتير، روسو، جيبون، هيردر، غوته ، هيغل، نابليون ، في قراءة معلوماتية تحليلية ، الكتاب ب 258 صفحة ، تطرق فيه الى الإرث القاتم ما قبل عصر التنوير الأوروبي ، ثم تحدث عن رؤية المتنورين إزاء العرب الإسلام، ومشيراً الى ان انبثاق فلسفة التنوير اقترن تاريخياً و جغرافياً بولادة البرجوازية الليبرالية كقوة اجتماعية جديدة وصاعدة عبرت عن هذه الفلسفة ضمن حدود متباينة تبعا لتباين قدراتها الذاتية وحجم المؤثرات المحيطة ، التي ما كان لها ان تنضج الا بعد ان تحررت من الأغلال التقليدية التي صمدت لقرون طويلة على شكل يقائن مطلقة ومقدسة أحياناً ، ثم بدأت تتفتت وكان من عينات ذلك الأمر الحدث السياسي الكبير المتمثل بالثورة الفرنسية ذات النسيج البرجوازي يقول الهنداوي (لقد قامت فلسفة التنوير على احلال العقل محل الوعي والاستفهام محل الايمان والحرية والتسامح محل العبودية والتعصب، والحال ان تطور الموقف الغربي من الثقافات الانسانية يندرج في هذا الإطار كلياً برأينا ، فبفضل الروحية الجديدة التي أشاعتها فلسفة التنوير بدأ المفكر الأوروبي الفرنسي والألماني خاصةً يشعر بالتحرر من الموروث اللاهوتي السياسي). ويرى الدكتور حسين الهنداوي ايضا (في القرن 18 كانت شعوب الشرق هي من يجتذب الإهتمام مطالبة لثقافتها الدينية بالحق في المساواة فطوال عصر التنوير كان الاهتمام بالشرق والسعي للدفاع عن كامل حقوقه في أخذ مكانة مركزية لائقة في التاريخ الكوني يقترنان دائما بسجال نقدي عنيف). 

أرث قائم 

كما عالج الدكتور الهنداوي في تحليله الأسبق للتنوير الإرث القاتم الذي كان يسود أوروبا وكيف كان يمثل انكفاء واضحا وانغلاقا على مفاهيم أيديولوجية لا ترى العالم إلا بعيون ذلك الإرث القاتم في حين جاءت مرحلة التنوير لتزيح عن الأوروبيين تلك القتامة وتضعهم وجهاً لوجه أمام عالم شرقي غزير بإبداعاته ورؤيته الفلسفية وتعاطيه بالشأن الإنساني. 

– يتوقف الهنداوي عند المفكر الفرنسي مونتسكيو فيقول انه لم يعرف من الاسلام الا الصورة الشوهاء …. وبكلمة اخرى لم نجد شيئا يمكن ان يكون قد اعد مونتسكيو  لفهم الاسلام بشكل موضوعي وجيد وعميق كي يستطيع تحليل طبيعته او مظاهره فلا بيئته الثقافية ولا ثقافته التقليدية كانتا تغريانه بالاهتمام ايجابيا ، وبشكل خاص بالاسلام) ويبدو من خلال متابعة الهنداوي لمسيرة هذا المفكر انه تلقى جرع من المعرفة عن الاسلام مقطوعة عن سياقها ولذلك اتخذ ما اتخذ من مواقف عدائية قائمة على تلك المعارف البسيطة والمبتورة مثل كتاب الف ليلة وليلة الذي كان احد مصادر تأسيسه لافكاره ازاء الاسلام ولم يبحث عن مصادر اخرى وبخلاف اراء مونتسكيو ازاء الاسلام التي واجهت انتقادات قوية فيما بعد ، فان فولتير نظر الى الاسلام بواقعية مدهشة اذ احتل الاسلام دينا ومنظورا حياتيا حضاريا ونظاما اخلا… 

(أن العرب أظهروا في جميع المجالات العلمية والفنية براعة استحقت إعجاب وغيرة الغربيين منهم ، فلقد كانت مدارس المسلمين نشيطة ورفيعة المستوى في تدرس العلوم التقليدية والجديدة، وعلى مرور الوقت راح العلماء العرب والمسلمون يتفقون على نظرائهم من الامم الأخرى، فقد أنشأوا علم الجبر، وطوروا بنجاح علم الفلك الذي يسمو بالعقل الإنساني ويجعله يتجاوز عالمه الصغير وحياته العابرة ليفهم الكون بمجمله، وهكذا منذ قيام الدولة العباسية حتى ت? مورلنك كان العلماء العرب يتأملون الكواكب بإمعان وحماس محاولين فهم أسرارها وراحت المراكز الفلكية في بغداد وإسبانيا وسمرقند تصحح بعض الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها الإغريق. لكن العرب لم يحققوا نتائج مثيرة جدا في هذا المجال، ومع ذلك، لا بد لنا من الاعتراف بفضلهم الكبير في ميدان علم الطب. فقد ظهر بينهم عظماء ? جابر والرازي وابن س?نا. إذ ازدهر الطب وانتشر إلى درجة أنه كان هناك في مدينة بغداد وحدها 860 طبيباً مجازاً وبارعاً في هذه المهنة 

وفي استطلاع الهنداوي لطروحات هيردر يتوقف عند اعتراف الاخير (أن الحضارة الغربية الحديثة مدينة بشكل هائل للحضارة العربية الإسلامية. فالحياة في أوروبا كانت في القرون الوسطى أشبه بحياة الغاب و مرع? للعلاقات البدائية، وما كانت ستخرج من تلك الحالة لولا الحضارة الإسلامية التي ظهرت كالنور الذي أنار الطريق أمام الغربيين وجلبهم إلى الحضارة لأن الغرب المسيحي لم يحقق ما حققه من حضارة حديثة ومنجزات في الآداب والعلوم إلا بعد أن تعلم الكثير من المسلمين. ويستخلص الهنداوي من الفيلسوف غوته حول العرب : العرب يسكنون بقعة شرقية قريبة. ونجد عند العرب قبل الإسلام كنوزا رائعة من الشعر وهي قصائد ملحمية نالت الجوائز في المباريات الشعرية التي كان العرب يقيمونها في الفترة السابقة على مجيء النبي محمد، وقد كتبت بحروف من الذهب وعلقت على أبواب بيت الله الحرام في مكة وهي تعطي فكرة عن شعب بدوي محارب يعيش على الرعي تمزقه الحروب الداخلية لكنه يمتلك كبرياء 

خاصة ويتحلى بخصال خاصة كالشعور بالشرف وحب الكرم والوفاء من دون حدود لكن هذه القصائد تبين لنا أن قبيلة قريش كانت تمتلك ثقافة عالية نشأ فيها محمد وعرف كيف يهذبها من مساوئها المادية بعد أن أضيفي عليها حلة دينية عميقة). أما بشأن الاعتراف الذي وجده الهنداوي عند الفيلسوف هيغل فقد جاء ضمن محاضراته حول تاریخ الفلسفة وهي بالتحديد ان العرب هم الذين قادوا الغربيين إلى اكتشاف المؤلفات الفلسفية الإغريقية وبشكل خاص مؤلفات أرسطو، ويعترف هيغل في هذا المجال) (أن المعرفة التي قدمها العرب حول أرسطو و محافظتهم على النصوص الأرسطية كانتا مصدرا مهما للعالم الغربي في هذا المجال. لأن الغربيين ظلوا لفترة طويلة لا يعرفون شيئا عن أرسطو إلا من خلال الشرّاح (العرب ويخلص الهنداوي ، (اذا كانت المصالح الشخصية والسياسية وحدها وليس الإيمان هي التي دفعت نابليون بونابرت الى التظاهر باعتناق الإسلام، فإن هذا الأمر لا ينفي حقيقة بذله كل جهد ممكن للتعرف على الإسلام والتاريخ الإسلامي ولا سيما المصري منه، فشخصية نابليون تبدو استثنائية هذا المجال أيضاً، ويبدو أنه امتلك بالفعل صورة عميقة و متشبعة عن الإسلام و عقائده و روحه ) الحال ان الرحلة العلمية التي خاضها الدكتور حسين الهنداوي في كتابه فلاسفة التنوير والاسلام رحلة موثقة بجدارة استاذ يجد في المعلومة ودلالتها وسيلة ايضاح لا غنى عنها ، ولذلك لم يسقط في السرد التقريري. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *