مرّةً أخرى
أتملاك آتياً كالبعيد
يعتلي صمتك الانتظار
يعتليك الغبار
باحثاً عن صحارى بلا أزمنة
عن غياهب لم يكشف الله أسرارها
وغابة أرز جديدة
تنكأ في ظلها
قصاصة حبّ طَوَيتْ
وغيّرت أسماءه كل يوم
في ثنايا الطريق
من جنوب إلى آخرٍ..
**
جسدي في مكان
وروحي في مكان
ورأسي في مكان..
فمن أين لي بنهرٍ كريم
يغسل الرئتين من الطين والخرائب
ليعتقني من حضوري؟
ومن أين لي بقوة الجناح
بالجرأة على التحليق
كنقطة نون؟
ومن أين لي بكسرةِ حُلمٍ
تحملُني بين يديك
فنصبح أنت؟
من أين لي بكل هذا؟
وها أنتَ يا أَنت ..
مبثوثٌ في جذور الرأس
في ارتعاشة اليدين،
في الشتاء الطويل
في النسغ الصاعد والنازل
في المحطات المطفأة كل صباح جديد..
ها أنتُ يا أنت
تتراءى من علياء مجدك
نجمة
نستفيء بأسرارها
حاملين الى لجّة اليُمِّ أسماءنا
والعراق الذي صار طيفاً..
*
لم يعد جواباً أبحث عنه،
لم يعد هناك سؤال
فتعالَ، تعالَ
تعالَ أتملاّك آتياً
أتمدد في بيوتك بيتاً.. بيتاً
في أوراقك ورقةً، ورقة..
في كلّك جزءاً، جزءا
دعني
أتناثر في حرارة فحيحك
أو أحترق بين يديك
وأنت تتأمل دخاني
على ضوء الفانوس
مهما أبطأتَ.. وأبطأت
ومهما سلكتَ دروباً لا تفضي
ستجدني بانتظارك عند كل المفارق
مفترشاً عباءتي
مستغرقاً في إستكناه ألفباءك..
**
قبل أن يطلع الصباح
ستجدني على الدرب إشارة ..
إكليلاً من الحركة والحصارات..
ووجهاً بوجه
ونظرةً بنظرة
أعرف خرائط السفر عن ظهر قلب
وأعرف قداسة الأجنحة
لم تعد هناك فسحة للتفكير بالخيارات
فتعال نبني بيوتاً ولو من رمل
نتسابق من غير هدف
تعال نتمدد أحدنا في الآخر
حتى فجر كل يوم جديد..
نركض كما بإتجاه الهاوية
كنورس صباحي
برفقة الأعشاب والمدى
برفقة حركة أقدامنا السريعة
أهرب وحيدا في الظلمات
أتناثر فوق المدن
كنيزك من رماد
أسمع انفجارات الرأس
وأشرئب بين أنقاضي
بلا مبالاة الثمار المهجورة ..
*
لم تعد فسحة للتفكير بالخيارات
بل بلحظة الاشتعال ذاتها
بها وحدها
وأعدك أن لا أترك أية وصيّة
وأعدك ألا أترك رمادا بعد إحتراقي
متحولاً إلى غابة بيضاء بيضاء
لا تدركها العين
الرياح، الرياح..
تصهل موغلةً في الجوانح
باردة كالصديد
لا صدىً
لا رسائل يحملها الليل
لا عطر ريوازة يخبر الرب
عن سرّ هذا الوجوم..
١٩٨٩